نبذة تاريخية عن تاريخ انتقال نص العهد الجديد:
فترة الالتباس (إلى 400 ميلادي)
حدثت الغالبية العظمى من الأخطاء في مخطوطات العهد الجديد خلال الفترة الأصعب في إعادة البناء أيضا – وهي القرون المسيحية الأربعة الأولى، حيث كان غالبية الناس أميين وعندما خضعت المسيحية للاضطهاد الشديد بصفة دورية، ربما كان هناك عدد قليل من الكتبة المدربين تدريباً مهنياً في خدمة الكنيسة. علاوة على ذلك، نادراً ما كان الكتبة يمتلكون روح كتبة الأزمنة اللاحقة الذين عملوا وفقًا لتعليمات الرب المعطاة في سفر التثنية ١٢: ٣٢: ” لاَ تَزِدْ عَلَيْهِ وَلاَ تُنَقِّصْ مِنْهُ”. في الواقع، يبدو أن العكس كان صحيحًا بالنسبة للكتبة في القرنين الأولين. لقد أدخلوا الآلاف من التغييرات في النص. من المؤكد أن العديد من أخطائهم كانت غير متعمدة من قبيل زلات العين أو الأذن أو الذهن. لكن المئات من التغييرات في النص كانت متعمدة. حتى الأن يجب ألا نفكر في هؤلاء الكتبة على أنهم تصرفوا بدوافع شريرة. على أي حال لقد تعاملوا عادة بالكثيرً من الحرية في نسخ نصوصهم، وقد فعلوا ذلك في معظم الحالات في محاولة منهم “للمساعدة”. لقد كانوا أكثر اهتمامًا بجعل رسالة النص المقدس واضحة أكثر من اهتمامهم بنقل المخطوطات كما هي بدون أخطاء.
وهكذا، فإن الكتبة الأوائل (وأحيانًا أخرى المتأخرين منهم) غالباً ما “هذبت” من اللغة اليونانية للكتاب الإنجيلين عن طريق إضافة أدوات العطف وتغيير أزمنة الافعال وتغيير ترتيب الكلمات. كما أنهم كانوا يميلون إلى توضيح المقاطع الغامضة عن طريق إضافة الأسماء أو الضمائر، أو عن طريق استبدال المرادفات الشائعة للكلمات غير المألوفة، وأحيانًا عن طريق إعادة كتابة العبارات الصعبة. أحد أكثر الأسباب شيوعًا للخطأ هو الميل للتوفيق بين مقطع وآخر. هذا الميل التوفيقي متكرر بشكل خاص في الأناجيل. كما يحدث في المقاطع الازائية في بولس وأعمال الرسل. هناك أيضًا بعض الحالات -وهذه عادةً ما تكون هامة جدًا -حيث أضاف الكتبة (أو بدرجة أقل، حذفوا) جمل كاملة أو روايات لمصلحة العقيدة أو الكمال.
وخلال القرن الثاني على وجه الخصوص، عندما نقل كل كتاب من كتب العهد الجديد بشكل مستقل عن الآخرين، وعندما كان هناك توزيع جغرافي واسع لهذه الوثائق مع “ضوابط” قليلة أو معدومة، تكاثرت هذه الأخطاء النسخية. بمجرد إدخال خطأ في النص، تم نسخه من قبل الكاتب التالي كنص “تم استلامه”. غالبًا ما “قام” الكاتب بتصحيح ما اعتقد أنه أخطاء وبفعله هذا صنع أخطاء أخرى خاصة به. لذلك تم تخليق الأخطاء وتضاعفها، وبالتالي كانت تميل إلى التراكم. “إيب و فيي ص 9”
فترة الإنتقال (400-1516)
حدثان هامان أثرا على تاريخ العهد الجديد بعد عام 400 ميلادي. فقد تأثر النص المصري بحلول عام 450 بشكل كبير بالنص البيزنطي المتأخر عنه، واختفى من الاستخدام. وكانت الأسباب الرئيسية لذلك هي زوال البطريركية في الإسكندرية وما تلا ذلك من صعود الإسلام وانتشاره. ومن ناحية أخرى، أصبحت اللاتينية في غضون ذلك هي اللغة السائدة في الغرب، بحيث توقف إنتاج النصوص اليونانية هناك. إن عددا كبيرا من التناقضات الموجودة في المخطوطات اللاتينية القديمة قد تمخضت أخيرًا عن ترجمة قانونية، وهي الفولجاتا اللاتينية، التي قام بها جيروم حوالي 384 م. لكن الأمر استغرق حوالي مائتي عام قبل أن تحل تلك الترجمة محل الترجمات القديمة الأكثر شعبية. في هذه الأثناء، وبينما كان يتم نسخها ونقلها من جزء من الغرب إلى آخر، كانت الفولجاتا تتوافق بدرجة متنوعة مع تاريخ اللاتينية القديمة والنصوص المحلية. وقد بذلت عدة محاولات خلال العصور الوسطى لتنقية نص جيروم، لكن كل من هذه التنقيحات أدت في النهاية إلى مزيد من الفساد. كنتيجة لذلك، فإن أكثر من 8000 من مخطوطات الفولجاتا الموجودة تعكس خليطا هائلاً من الأنواع النصية. “إيب و فيي ص 9-10”
تأسيس النص المستلم (1516-1633)
كان اختراع يوهانس غوتنبرغ للطباعة باستخدام النوع المتحرك هو العامل الرئيسي التالي في تاريخ نص العهد الجديد. وكان النص الأول الذي سيتم نشره قد ظهر في عام 1516 والذي قام بتحريره الإنساني الهولندي العظيم إيرازموس. و لسوء الحظ ، كانت الطبعات الأولى هذه، والتي كانت بمثابة قاعدة لجميع الطبعات اللاحقة حتى عام 1831، قائمة ذاتها على مخطوطات متأخرة من العصور الوسطى ذات جودة رديئة من عائلة النص البيزنطي. وفي بعض النصوص، استخدم إيراسموس الفولجاتا، حيث قام بترجمة نصها إلى اللغة اليونانية وأضافها لنسخته، مما أدى إلى أن نصه اليوناني احتوي على قراءات لم يتم العثور عليها في أي مخطوطة يونانية.
ومن الإصدارات اللاحقة الهامة لنص إيرازموس، (1) الطبعة الثالثة لروبرت ستيفانوس (1550)، والتي كانت مستندة على الطبعة الثالثة لإيرازموس، أصبحت النص القياسي في إنجلترا وكانت بمثابة قاعدة لـنسخة الملك جيمس KJV)) في 1611م. (2) النص اليوناني والذي يشبه نص إيرازموس والذي حرره بونافنتشر وأبراهام الزفير (1633)، وأصبح النص القياسي المستخدم في القارة. وقد ولم يستمد هذا النص مصطلح “النص المستلم” من كونه تم تسليمه من نسخ جيدة موثقة من المخطوطات ولكن من عبارة كتبها المؤلفون في مقدمة هذه الطبعة، حيث أعلن المحررون ” أنت بالتالي بين يديك النص الذي يقبله – يتسلمه-الجميع، الذي لا نعطي فيه شيئًا تغير أو أتلف” وقد ظل هذا التباهي بذلك المصطلح الغير واقعي مصدقا لأكثر من مائتي سنة أخرى. وللأسف هذا النص المستلم هو أساس الترجمة العربية الشهيرة المتوفرة الآن المعروفة بـ “ترجمة الفاندايك” وكذلك نسخة “الملك جيمس”. “إيب و فيي ص 10”
فترة الاكتشاف والبحث (1633-1831)
كانت الفترة التالية في تاريخ نص العهد الجديد عبارة عن فترة بذل فيها العلماء جهودًا كبيرة لجمع معلومات جديدة من المخطوطات اليونانية، والترجمات، واقتباسات الآباء. ومع ذلك، استمرت النصوص المنشورة خلال هذه الفترة في طباعة النص المستلم المشهورة بذلك الوقت؛ مع وضع النصوص الجديدة في التعليقات النقدية (أي الملاحظات النقدية) خارج النص. من بين العدد الكبير من العلماء الذين قدموا مساهمات خلال هذه الفترة، بنجل (1734)، وفيتشتاين (1751- 52) وكريسباخ الذي وضعت إصداراته من 1774 إلى 1807 الأساس لكل النقد النصي اللاحق. “إيب و فيي ص 10-11”
فترة النقد البناء (1831-1881)
كانت الفترة التي تلت كريسباخ هي فترة الإطاحة بالنص المستلم وصعود الطبعات النقدية الجديدة القائمة على أهم المخطوطات المبكرة المكتشفة ومبادئ النقد التي ابتدئها فيتشتاين وكريسباخ. وجاء أول تغيير هام للنص المستلم في عام 1831 مع النص اليوناني الذي نشره الكلاسيكي الألماني كارل لاتشمان حيث كانت له أول محاولة منهجية لإنتاج نص باستخدام طريقة علمية ومعتمدة على نصوص المخطوطات المبكرة من القرن الرابع بدلاً من مجرد إعادة إنتاج نص العصور الوسطى.
الأهم من ذلك كله كان العمل الضخم والتذكاري الذي حققه فون تيشندورف. فبجانب تسليط الضوء على العديد من المخطوطات غير المعروفة حتى ذلك اليوم، نشر ثمانية إصدارات نقدية من العهد الجديد اليوناني، وكان آخرها (1872) تحتوي على تعليقات نقدية تعطي جميع القراءات المختلفة من مخطوطات الخط الكبير المعروفة كما لقراءات المخطوطات ذات الخط المتصل (الصغير) والترجمات واقتباسات آباء الكنيسة. هذا المجلد لا يزال أداة لا غنى عنها للنقد النصي للعهد الجديد.
لكن النص اليوناني الذي حرره وستكوت وهورت (WH 1881) قد حل في الأهمية محل الآخرين جميعا. لقد قاموا بعملهم جيدًا وبصورة جيدة لدرجة أن كل النقد النصي اللاحق تقريبًا يحدد بعلاقته به. كان موطن قوتهم هو التنقيح لنص العهد الجديد والتطبيق الصارم للمنهجية العلمية عليه. صدرت النتيجة في مجلدين بعنوان “العهد الجديد في اللغة اليونانية الأصلية”.
وضع هورت في المقدمة بالتفاصيل الكاملة ما أصبح بيانا كلاسيكيا لمنهجية النقد النصي. من المهم بشكل خاص تحليلاته وتقييماته الدقيقة للميزات النسبية لمختلف أنواع النصوص وممثليهم الرئيسين. وفوق كل شيء آخر، دفن هورت النص المستلم إلى الأبد. وقدم ثلاث حجج رئيسية ضد نوع النص البيزنطي (والذي سماه السوري)، وقد أيدته عموما الاكتشافات والأبحاث اللاحقة:
(1) نوع النص السوري ملئ بقراءات مختلطة، أي القراءات التي تمزج بين العناصر الموجودة في النوعين النصيين السابقين (المصري والغربي).
(2) القراءات المميزة لنوع النص السوري لم يتم العثور عليها أبدًا في اقتباسات آباء ما قبل نيقية، لا في الشرق ولا الغرب؛ و
(3) عند مقارنة القراءات المميزة بهذا النوع من النصوص مع القراءات المنافسة بمبادئ الأدلة الداخلية، “وجد ان ادعاءاتهم باعتبارها القراءات الأصلية ظلت تتناقص تدريجياً، وأخيراً تختفي”
وهكذا كان وستكوت وهورت (Westcott وHort ) مع خيار بين النوعين النصيين المصري والغربي وأصبحت الاعتبارات الداخلية هي الحكم النهائي عندهم، وشعروا أن التحليل الدقيق للاختلافات عبر صفحات عدة من النص كشف عن النص المصري، أو الإسكندري (الذي افترضوا تسميته “محايد”)، ليكون أفضل بكثير في كل الحالات تقريبا. وهكذا، كان نصهم المنتج هو نسخة من نوع النص المحايد، إلا في الحالات التي كانت فيها الأدلة الداخلية ضده بوضوح. “إيب و فيي ص 11-12”
وبذلك تم تقويض صلاحية النص المستلم نهائيا على يد ويستكوت وهورت. وقد حدد هورت، في المجلد التمهيدي لطبعته، بعض الإرشادات العامة التي كانت حاسمة في الخطة التي وضعاها للنقد النصي:
- القراءات أو المخطوطات أو المجموعات الأقدم هي المفضلة.
- تقبل أو ترفض القراءات بحسب الجودة، وليس بسبب عدد الشواهد الداعمة (لإلغاء مفهوم نص الأغلبية).
- القراءة التي تجمع بين قراءتين بديلتين بسيطتين تكون متأخرة عن كل من القراءتين المشتملتين على عناتصر الخليط، فالمخطوطات التي لا تدعم القراءات المختلطة، إلا نادرا، تكون نصوصا سابقة للخلط وذات قيمة خاصة.
- تفضل القراءة التي تفسر بوضوح وجود القراءات الأخرى.
- يقل احتمال كون القراءة أصلية إذا أُظهرت ميلًا لتذليل الصعوبات أي القراءة الأصعب تكون أقرب من الأصلية.
- تفضل القراءات التي توجد في مخطوطة تحتوي عادة على قراءات متفوقة (كالمصرية) على النحو الذي يحدده الاحتمال الداخلي الذاتي والنسخي.
أدى تطبيق هذه (وغيرها من) المبادئ إلى هزيمة شاملة وكبيرة للنص المستلم (الذي أطلق عليه ويستكوت هورت النص “السوري”)، حيث لم تتمكن شواهده الرئيسية من الصمود أمام التهم المتعلقة بـ
(1) تاريخهم الحديث ،
(2) قراءاتهم المختلطة وتذليلهم أوتخفيفهم الصعوبات
(3) عدم قدرة قراءاتهم على شرح القراءات الأخرى و
(4) كانت حقيقة أنهم ترافقوا مع العديد من القراءات الأخرى في مخطوطات تتقاسم هذه الخصائص نفسها هي التي دفعت إلى الصدارة أقدم و”أفضل” المخطوطات و “أفضل” مجموعات المخطوطات، وهؤلاء الشواهد هم الذين نجوا – كما قالوا – واقعيا من الفساد والتلوث ، والذي سموه – بشكل مفهوم – النص “المحايد”.
لكن طرح ويستكوت وهورت واجه بعض نقاط الضعف، كما هو معروف جيدًا، تتعلق
(1) التقييم السلبي المفرط لـ ويستكوت-هورت لكل من النص البيزنطي وما يسمى بالنص الغربي؛
(2) أسئلة حول تقييمهم لمكونات النص الغربي وما أسموه بالنص “السكندري”؛ وبطبيعة الحال،
(3) ما إذا كان النص المحايد حقًا خالصًا ومحايدًا وكان على علاقة وثيقة بالأصل كما يدعون. “إيب وفيي ص 22-23”
فترة منذ وستكوت وهورت (1881 إلى الوقت الحاضر)
كما قد يتوقع المرء، فإن هذا الإنصراف الجذري عن “النص المستلم” لم يقبل على الفور من قبل الجميع. ينطبق هذا بشكل خاص على العالم الناطق باللغة الإنجليزية، حيث كان النص المستلم منذ فترة طويلة في أيدي غالبية المسيحيين من خلال نسخة الملك جيمس. ولم يكن جميع الدارسين اللاحقين متبعين وستكوت وهورت. بل وجد معظم العلماء أن تأكيد ويستكوت وهورت على أن المخطوطات المصرية “محايدة” كان مبالغا فيه للغاية. وعلى الرغم من حالات الرفض، إلا أن كل النصوص النقدية اللاحقة كانت تشبه وستكوت وهورت أكثر مما تشبه النص المستلم أو المخطوطات الغربية. لذلك، من العدل أن نقول، سواء عن قصد أم لا، الاتجاه السائد للنقد النصي للعهد الجديد منذ وستكوت وهورت قد تحرك نحو تعديل وتطوير عملهم باعتبارهم أساس بدلا من “النص المستلم”.
- 1. اكتشافات جديدة. ربما كان أهم تقدم منذ وستكورت وهورت هو اكتشاف كميات كبيرة من البيانات النصية الجديدة بجميع أنواعها. من بين هؤلاء، كان الأكثر أهمية هو البرديات، لأنهم يمثلون في معظم الأحيان دليل أبكر من الذي كان متاحا لوستكوت وهورت. وقد أكدت البرديات الجديدة المكتشفة بشكل عام رأيهما في الطابع المتأخر لنوع النص البيزنطي. قد يجد المرء من حين لآخر بعض الاختلافات النصية في البرديات المبكرة التي تدعم النوع النصي المتاخر، لكن لا علاقة لأي من البرديات المبكرة حتى لو من بعيد بالمخطوطات البيزنطية.
2 بحوث أخرى. إلى جانب اكتشاف مخطوطات جديدة، قامت أبحاث أخرى من مختلف الأنواع أيضًا بتطوير علم النقد النصي بشكل كبير منذ وستكوت وهورت. تجدر الإشارة بشكل خاص إلى العمل المنجز الذي يلقي مزيدًا من الضوء على الترجمات وعلى دياتسرون تاتيان (تنسيق للأناجيل الأربعة لتشكيل رواية واحدة) وجمع وتحرير اقتباسات الآباء الأوائل. وفائدة هذا العمل الآن أكبر بكثير مما كانت عليه في عام 1881.
- 3. الإصدارات النقدية. أدت هذه الاكتشافات والأبحاث إلى سلسلة من النصوص النقدية منذ ويستكوت وهورت. سنعرض القليل منها بسبب أهميتها الواسعة.
– في عام 1913 نشر هيرمان فون سودين (VS) نسخته النقدية ولم تلق رواجا.
– طبعات “الجيب” الأصغر. المعروفة بنستله ألاند (NA) وهي من أكثر هذه الإصدارات شيوعًا، وقد نُشرت الطبعة الخامسة والعشرون من هذا النص في عام 1963
– في عام 1966 ، نشرت جمعيات الكتاب المقدس المتحدة “كتيب” جديد (UBS) و تظهر هذه النسخة مقارنة هذا النص مع النص المستلم، و نص وستكوت وهورت أين يقف إجماع كثير من العلماء المعاصرين. “إيب و فيي ص 12-13”